لا يتوه المراقب للنائب نديم الجميّل في هويته للحظة. ليس نديم بشير الجميّل بالطبع، ولا هو نديم سمير جعجع أو نديم توتنجي. لا يزال «الشيخ» الصغير يبحث عن بوصلته السياسية في حزب الكتائب وخارجه، إنما يقابل بحثه اليوم مصائب بالجملة، ليس آخرَها عمه وابن عمه «العطوفان»
إعلان
في السنوات الأربع الماضية، حاول النائب نديم الجميّل شقّ دربه السياسي، راضخاً لأمر عمه وابن عمه الواقع. رضي بقليل حزب الكتائب، وراقب بصمت سقوط نجوم بذلته الزيتية، نجمة تلو أخرى. وهو، كما يشير مقربون منه، يفضل الصمت والتحسر على المواجهة والهجوم. فشل حزبياً في خلق حالة كتائبية بشيرية في الأشرفية تلتفّ حوله وتكسبه شرعية، أقله كما فعل النائب سامي الجميّل في المتن الشمالي. وأضاع بوصلته السياسية كشاب مبتدئ، فأراد الظهور كزعيم وطني عابر للطوائف يصلّي الجمعة مرة ويخطب متلعثماً في ذكرى عاشوراء مرة أخرى.من يطّلع على تاريخ نديم ونشاطاته، لا يدهش لكل ما سبق. منذ نعومة أظفاره، أُحيط «الشيخ» الصغير بعائلة زادت من طراوة عظامه. وعندما أتيحت له الفرصة ليكوّن شخصيته الخاصة، اختار الصورة المبعثرة لرئيس الهيئة التنفيذية في حزب القوات سمير جعجع، ورمى بوشاح 14 آذار الباهت على كتفيه. إنّ من لا يتعاطى الشأن السياسي، يظن حتماً أن نديم لم يعد يوماً من غربته الفرنسية.
نديم «العوني»
عندما اغتيل والده، كان النائب الشاب في شهره الرابع. الأم الفاقدة لزوجها وإحدى ابنتيها، احتضنته إلى حدّ تضييق الخناق عليه. لا يمكن نديم الصغير أن يخرج إلى الحديقة لئلا يتعثّر ويقع. ممنوع عليه اللعب مع رفاقه خارج المنزل لئلا يتعرض لحادث. حتى اليوم، تهاتف الأم ابنها، وقد بلغ عامه الواحد والثلاثين، «آلاف المرات» يومياً، يقول المقربون منه، وخصوصاً عند ممارسته رياضة «جيتسكي»! في المقابل، تكفّل خالا نديم، غابي وجو توتنجي، «تطوير» شخصيته السياسية. كانت علاقته وطيدة بالرئيس أمين الجميّل أيضاً. ولم يكن يقبل مناداة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بغير «papa». كان يسبق العونيين إلى تظاهراتهم واجتماعاتهم وأنشطتهم الحزبية، بحسب أحد النواب العونيين. وخلال الإعداد لأحد الأنشطة العونية تحت اسم «جمعة لبنان الحر»، واظب شهرين على حضور الاجتماعات يومياً في المركز العوني والسهر مع مناضلي التيار حتى ساعات الصباح الأولى. «كان واحداً منا»، يقول النائب. وتُرجمت تلك العلاقة الوثيقة في انتخابات بعبدا ــ عاليه الفرعية عام 2003، عندما وقف «ابن بشير» الى جانب مرشح التيار يومها حكمت ديب في وجه المرشح هنري الحلو المدعوم من الاشتراكي وحركة الكتائب الإصلاحية الممثلة بالنائب الراحل بيار الجميّل. يومها ابتدأ الجفاء بين نديم وابن عمه بيار، واستمر حتى المصالحة الكتائبية عام 2005. وطوال الأشهر التي تلت المصالحة، حتى اغتيال النائب المتني، يقول أحد الكتائبيين السابقين إن بيار حرص على تلبية مطالب نديم في ما يخص تعيين عدد من أعضاء المكتب السياسي ورغبته في تسمية رئيس إقليم الكتائب في الأشرفية (بسام روكز) قبل أن يصبح هو رئيس الإقليم. وحتى بعد جريمة الجديدة، ظلت الامتيازات المعطاة للجميّل البيروتي هي نفسها، فيما كان سامي يغرد بعيداً عن الكتائب في «لبنانه».
«امتيازات» سامي
كان ابن بشير يصعد السلم بتأنٍّ، مستفيداً من تجربة ابن عمه في بناء حيثيته في الأشرفية، يتودد لأصدقاء والده وبيار، يستحدث لنفسه سيرة مهنية في قطر، ويوطد علاقاته السياسية والاجتماعية. لكن، مع عودة سامي، انتهى شهر العسل النديميّ وبدأ الكابوس. ففور انتسابه إلى الحزب عام 2007، كُلف سامي قيادة مجلس الشباب والطلاب، وبعد عام واحد عُين منسّقاً عاماً للجنة المركزية. بدأت الخلافات بينه وبين نديم تظهر شيئاً فشيئاً. فوفقاً للقواعد الكتائبية، تولي الأحزاب أهمية للأقدمية، وبالتالي لتوزيع المناصب. ولأن نديم الكتائبي أقدم من سامي، كان من المفترض أن يفوز بتلك الرتبة ويخضع سامي لسلطته. إلا أن ما جرى عكس ذلك تماماً، ولسبب وحيد: «سامي ابن أمين، رئيس حزب الكتائب الحالي»، يقول أحد الكتائبيين المقربين من نديم. أخذ الصوت الهامس في رأس نديم يعلو: «أمين وسامي يتعمدان إقصائي». وتراكمت المصائب حتى موعد تعيين أعضاء آخر مكتب سياسي: لم يمنح نديم حق تسمية ولو عضواً واحداً، فيما عيّن سامي عضوين من الأشرفية مختلفين مع نائب المنطقة ولا ينسقان معه، يقول أحد المقربين من نديم. أحدهما مختار الرميل السابق إيلي نصار المعروف بأبو شادي، وهو مقرب من الرئيس الجميّل. والثاني هو توماس واكيم المقرب سابقاً من صولانج الجميل. اقترح نديم تعيين خاله الكتائبي غابي توتنجي أميناً عاماً، فجيء بميشال خوري عوضاً منه. أراد نديم إدخال رفيق والده الأقرب والمسؤول العسكري سابقاً عن منطقة المدور جورج شعنين إلى المكتب السياسي، فرفض سامي طلبه. منحه ما يفترض أن يكون من صلاحياته أصلاً، وهو تعيين رئيس إقليم لحزب الكتائب في الأشرفية، أي منطقته.
وفي موازاة الصعوبات الحزبية، صعوبات مالية. ففي الانتخابات النيابية السابقة، آثر سامي «خطف جميع الأموال المرسلة إلى الحزب»، قاطعاً الموارد المالية عن ابن عمه الذي اضطر إلى خوض المعركة النيابية بأقل الممكن. رغم ذلك، يقول أحد المقربين من نائب الأشرفية، عضّ الأخير على جرحه صوناً لوحدة الحزب. لكن صمته تُرجم «ضعفاً» في بكفيا، فازداد سامي تفرداً في قيادة الحزب، وابتدع المناسبات لاستفزاز نديم كدعوة منافسه في الأشرفية، مسعود الأشقر، إلى محاضرة طلاب الكتائب من دون علمه. وعندما ينتفض نديم على ابن عمه، يظهر أمام الكتائبيين بمظهر المعتدي على سامي عن غير حق.
«بشيريات» نديم
جراء ما سبق، لا ماكينة انتخابية خاصة بنديم على غرار سامي في المتن. يتكل النائب البيروتي على من بقي حوله من رجال بشير لمساعدته في عمله الانتخابي، إضافة إلى مجموعة طلاب يحبونه، وكارولين، ابنة النائب الراحل خاتشيك بابكيان المرشحة عن المقعد الأرمني الأرثوذكسي في الأشرفية. لا مخاتير محسوبون على نديم إلا المختار السابق بيار صدقة الذي سُجن بتهمة توزيع شيكات بلا رصيد وأُخرج لاحقاً. يساعده هؤلاء في أموره اليومية من نشاطات ولقاءات واجتماعات. معاً نظموا برنامج «أشرفية 2020» لتحويل الأشرفية إلى منطقة بيئية، وقبلها أقفلوا الطرقات إفساحاً في المجال ليوم من دون سيارات. تولّى نديم سابقاً، بنفسه، مسألة مساعدة متضرري مبنى فسوح الذي انهار، جامعاً التبرعات عبر شاشات التلفزة، وبعدها شارك في مساعدة ضحايا انفجار الأشرفية بقدر ما يستطيع. هو، باختصار، نائب «العلاقات العامة». تجده يتصدر صفوف المعزين والمهنيين، وصالونات سيدات الأشرفية اللواتي يغدقن عليه الود، إحداهن تقرص خده والثانية تناديه «حبيبي» والثالثة تمطره غزلاً: تقبرني ما أحلاك. وذلك يطمئن أصدقاءه: «بشير في قلب الأشرفية، والأشرفية وفية لذكراه».
علاقته بالنائب ميشال فرعون «أكثر من جيدة». يقدّر فرعون التزامه وعوده له ولأهالي الأشرفية على عكس النائبة نايلة تويني. لذلك، التنسيق قائم على أحسن ما يكون. في ما خص القوات، يزور معراب باستمرار وعلاقته بجعجع وطيدة. وللقوات، بحسب «رجال نديم»، معزة خاصة في قلب ابن مؤسسها. أما 14 آذار وتيار المستقبل، فيؤيدهما بشدة، وهو في صلب هذه القوى ويبصم على سياستها على بياض. وربما الفضل الرئيسي في ذلك، يعود إلى «عرابه الروحي» جوني عبدو.
في المحصلة، لم يتغير شيء في حزب الكتائب. لا رئيس الحزب الرئيس أمين الجميّل ملّ التجاذبات الأسرية التي حكمت علاقته والرئيس بشير الجميّل، ولا سامي يرغب في الانحراف قليلاً عن مسيرة والده، فبات يشرعن «خطواته الاستفزازية والمُقصية» تجاه نديم. ففي وقت يسعى فيه النائب المتني إلى مصالحة قائد القوات السابق فؤاد أبو ناضر وغيره من قدامى الكتائب، يستمر في «زرك» ابن عمه. يوم الجمعة الماضي، كرّم سامي فرقة «ب. ج.» القتالية (السابقة) في غياب ابن بشير، فلم يجد نديم وسيلة تخرجه من عزلته جراء تمادي ابن عمه في تجاهله أو نكايته، غير الاحتفال في بيت الكتائب في الأشرفية بتعيين جورج شعنين رئيساً لإقليم حزب الكتائب في الأشرفية. خيار نديم «الصامت والمتحسر» يومها، تقابله خيارات ثلاثة رئيسية اليوم، بحسب أحد المطلعين: الانصياع لسامي والمثول للأمر الواقع، الانتفاض عليه وجرّ الحزب إلى مشاكل داخلية مدمرة، أو ترك الكتائب لسامي والانضواء في القوات اللبنانية. والخيارات الثلاثة تلك ستترك أثرها السلبي في حياة ابن بشير الجميّل، حتماً.
لعنة «آل الجميّل»
لا يختلف النائب نديم الجميّل عن غالبية زملائه الذين يلقَّنون الخطاب السياسي بالملعقة، وتحيطهم أسرهم بعشرات المستشارين، لكنه أجرأ منهم لناحية عدم الاستسلام لفوبيا الكاميرا واستمراره في محاولة التأقلم مع المهمات الخطابية الصعبة. كجدّه، لا يتقن الكلام التلفزيوني، يقول كتائبي عتيق. يأسف لانتقال الصراع من الأخوين إلى الولدين وكأن التاريخ يعيد نفسه. إلا أن ما يشكل حدّاً فاصلاً بين ابن البشير و«العنيد الصغير»، يكمن في شخصية كل منهما. نديم «طيب وعفوي، وما زالت طفولته راسخة في يومياته»، فيما سامي «براغماتي وفيه من الدهاء السياسي ما يبرر أفعاله الحزبية». طموحه أكبر من أن يبقى مكتوماً في قلبه: «يريد إقصاء العائق الوحيد أمام وراثته لحزب الكتائب»، والمشكلة الأساسية أن كتائبيي اليوم باتوا يسعون إلى استرضائه مساهمين في إنهاء «ابن بشير الجميّل». وكأن «لعنة آل الجميّل» ستظل عائقاً في وجه تحقيق «ربيع» كتائبي.